فلسطين- شهدت حرب الصيف الماضي على قطاع غزة سقوط الآلاف من القتلى وتشريد عشرات الآلاف من منازلهم. وعلى مدار اثنين وخمسين يوما من القتال وفر مشروع لبرنامج الأغذية العالمي في فلسطين وبالتعاون مع شركة "أوفتيك" بفرعها في مدينة رام الله طوق نجاة لحوالي ثلاثمائة ألف من السكان المتضررين من النزاع. فمن خلال استعمال بطاقة ائتمان بلاستيكية شبيهة إلى حد كبير ببطاقات الائتمان المصرفية تمكن الغزيون من شراء مواد تموينية أساسية من متاجر محلية، لا سيما الأغذية، ومياه الشرب، وحفاضات الأطفال والصابون. وكان لهذا المشروع دورا أساسيا في ضمان وصول المعونات الملحة للسكان واستمرارية نشاط الأسواق بالإضافة إلى تمكين التعافي وبوتيرة أسرع بعد انتهاء القتال.
ريم وزوجها مُعين وأطفالهما الثلاثة أجبروا خلال النزاع على اتخاذ مأوى لهم في مستشفى الشفاء في مدينة غزة بعد أن أًلحقت أضرار جسيمة في منزلهم الواقع في المنطقة الشرقية لقطاع غزة. "لقد انهارت حياتنا في لمح البصر بعد أن أجبرنا على ترك كل ما نملك وراءنا" تستذكر ريم، مضيفة "غير أنه حال وصولنا المستشفى حصلنا على قسيمة ألكترونية من برنامج الأغذية العالمي مكنتنا من شراء الطعام ومواد التنظيف من متجر يقع على مقربة من المستشفى".
عائلة ريم كانت من بين ما يقرب خمسين ألف أسرة حصلت من برنامج الأغذية العالمي خلال النزاع على معونات غذائية طارئة ومن ثم معونات غذائية للتعافي بواسطة نظام قسائم إلكترونية ابتكرته شركة "أوفتك" من أجل دعم النشاطات الإنسانية للمنظمة في فلسطين.
شراكة برنامج الأغذية العالمي و "أوفتك" هي الرائدة في نظام القسائم الإلكترونية المستخدمة في التدخلات الإنسانية عالميا
انبثقت الشراكة بين برنامج الأغذية العالمي و "أوفتيك" في فلسطين في عام 2010 دافعة بمقرات برنامج الأغذية العالمي في عدة بلدان حول العالم إلى الانتقال لاستعمالها. هذه القسائم الإلكترونية تمكن برنامج الأغذية العالمي الوصول بكفاءة إلى الجوعى من الناس في أماكن حيث فيها الأغذية متوفرة في الأسواق المحلية غير أن السكان المنعدمين عاجزين عن تغطية تكلفتها.
ويعتبر برنامج الأغذية العالمي في طليعة المنظمات التي توفر المعونات الغذائية بواسطة القسائم الغذائية للفقراء الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في فلسطين. ولغاية عام 2010 حصلت 5,500 أسرة- أي ما يعادل 30,000 فرد- في الضفة الغربية على حصص غذائية من خلال القسائم الورقية التي وزعت لهم. غير أن المنظمة واجهت بعض التحديات خلال تقديم هذا الدعم نظرا للتكلفة الباهظة للقسائم المصنعة من الورق وصعوبة متابعتها. فعلى المستوى العملي استهلكت عملية ضمان طباعة مُحكمة للقسائم وتوزيعها بين المستفيدين وتسوية الحسابات المالية وقتا طويلا. وسعيا منه للاستمرار في توفير القسائم التي كانت محببه على المستفيدين، لتمكينها إياهم اختيار المواد الغذائية التي يرغبون باقتنائها، فتح برنامج الأغذية العالمي الباب لشركات مختصة لتقديم عروض لأنظمة قسائم ائتمان ذكية بحيث تكون آمنة وقابلة للتطوير والتوسع وتستجيب لكافة متطلبات المنظمة.
ومنذ إنشائها في القدس عام 2010، نمت "أوفتك" وازدهرت لتصبح الشركة الرائدة إقليميا في توفير الخدمات والحلول المبتكرة المتكاملة والحديثة. وأصبحت "أوفتك فلسطين" في عام 2007 إحدى شركات مجموعة أوفتك القابضة، لتوسع نشاطاتها وحلولها لتصل إلى الأردن وفلسطين والسودان ومصر والولايات المتحدة بالإضافة إلى إربيل. لقد تجلى نجاح نظام قسائمها الإلكترونية من خلال قدرة برنامج الأغذية العالمي على تنفيذ انتشار تدريجي وسلس لمشروع القسائم الغذائية ليصل في عام 2013 إلى ما يزيد عن 170,000 من الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، ما مثل زيادة عدد المستفيدين من المشروع بأكثر من خمسة أضعاف بالنظر إلى أعداد المستفيدين في عام 2010.
"نحن بحق فخورون بشراكتنا مع منظمة بمكانة برنامج الأغذية العالمي نظرا لمساهمتها الفعالة في تحسين ظروف معيشة الكثيرين من الفلسطينيين وخاصة الأطفال منهم من خلال توفير المعونات الغذائية الغنية بعناصر التغذية الأساسية"، هذا ما جاء على لسان السيد جميل ضاهر مدير "أوفتيك" في فلسطين، مضيفا " لقد تجلى النشاط الكبير لبرنامج الأغذية العالمي مؤخرا خلال الحرب على غزة عندما خاطرت طواقمه العاملة بحياتها لضمان وصول الأغذية لكل محتاج لها".
إن العرض الذي طرحته شركة "أوفتك" يجسد فكرة تحويل القسائم الورقية إلى نظام إلكتروني وأوتوماتيكي يعمل عن بعد بحيث يتألف هذا النظام من مركبين أساسيين: البرمجيات والأجهزة المادية. من جهة تتيح البرمجيات لمستخدمين مفوضين، لا سيما من برنامج الأغذية العالمي وشركائه المنفذين للمشروع، تحديد كافة مميزات النظام واستخراج التقارير والتعاملات، كما أنها توفر السطح البيني للبيانات المطلوبة لتنفيذ توزيعات المواد الغذائية المحددة سلفا كمنتجات الحليب، والبقوليات، والبيض، والخبز، والزيت النباتي لكافة المستفيدين لدى وصولهم المتاجر المنخرطة في المشروع.
ومن جهة أخرى يتمثل الجزء المادي للنظام بأجهزة نقاط البيع التي توضع في المتاجر ليتم تمرير بطاقات المستفيدين الممغنطة من خلالها بحيث يتاح لصاحب المتجر تحديث بيانات توزيع الأغذية أو تمنعه من ذلك وفقا لمعايير محددة تشترط تطابق هوية المستفيد المخول والرصيد المتوفر في البطاقة. هذا الرصيد يتم تغذيته أسبوعيا لكل أسرة مستفيدة وفقا لمعايير يحددها برنامج الأغذية العالمي.
القسائم الإلكترونية من أكثر الوسائل فعالية لإيصال المعونات خلال حالات الطواريء
وبالعودة إلى أبرز مراحل الشراكة بين برنامج الأغذية العالمي و "أوفتيك" والتي شهدناها قبل بضعة شهور خلال وقوع الأزمة الإنسانية الصيف الماضي في قطاع غزة. كان احتمال نشوب نزاع جديد في هذا القطاع المحاصر أمرا واردا للغاية غير أن ضراوته غير المسبوقة واستمراره لعدة أسابيع كانت مفاجئة للعديد من المراقبين. بالنسبة لبرنامج الأغذية العالمي لم يأخذه هذا النزاع على حين غرة كونه وعلى الدوام في صدارة اللاعبين في مجال العمل الإنساني من حيث الاستعداد للاستجابة الفورية للأزمات ومد يد العون لكل إنسان محتاج. ولقد ضاعفت الشراكة المتينة والطويلة مع "أوفتك" من المستوى الفائق لاستعدادات المنظمة للاستجابة للأزمات وحالات الطواريء. "طواقمنا تعمل دائما على تأمين توفر بضع آلاف من القسائم الممغنطة مطبوعة لتكون جاهزة للتوزيع الفوري في حال حدوث أي طاريء" كما تؤكد سحر نتشة، منسقة مشروع القسائم الغذائية في برنامج الأغذية العالمي، مشيرة إلى أن "مخزون القسائم المطبوعة تمكن من الاستجابة للاحتياجات التي برزت في بداية النزاع، لكن بدون المساعدة الفائقة من طواقم أوفتيك لكان من الصعب تنفيذ الانتشار الواسع للقسائم الغذائية والوصول إلى مئات آلاف السكان المحتاجين. كنا نتواصل معهم في أي وقت وهم تمكنوا من توفير حلول لأية مشكلة وفي زمن قياسي".
كان انعكاس الميزات المبتكرة لنظام القسائم الإلكترونية واضحا خلال النزاع الأخير في قطاع غزة من خلال الشراكات الفريدة التي نسجت بين برنامج الأغذية العالمي وغيرها من المنظمات التابعة للأمم المتحدة ومنظمات أهلية. فبالإضافة إلى المعونات الغذائية التي وفرها برنامج الأغذية العالمي أتاح نظام القسائم الإلكترونية تزويد السكان المتضررين من النزاع الحصول على مواد أساسية أخرى مثل المياه ومواد التنظيف وكذلك الزي المدرسي لطلاب المدارس. لقد وضعت منظمات عاملة في المجال الإنساني أمثال اليونيسف المعنية بالأطفال و HelpAge المعنية بدعم كبار السن ثقتهم الكاملة ببرنامج الأغذية العالمي ونظام قسائمه الإلكترونية لإيصال معوناتها على نحو فاعل لما عدده 92,000 من السكان المتضررين من النزاع.
نهج متكامل ...
لطالما كان الابتكار جزءا لا يتجزأ من رؤية برنامج الأغذية العالمي الساعية إلى وضع حد للجوع في كافة أنحاء العالم. فاستراتيجية المنظمة خصوصا بالنسبة لفلسطين ترتكز على دعم السلطة الوطنية الفلسطينية لتتبنى وتستخدم أنماطا مبتكرة لبناء أمن غذائي مستدام وذلك من خلال دعم ركائز ثلاث: الإغاثة، وبناء القدرة على الثبات، وبناء القدرات الوطنية واستعدادها للأزمات والطواريء. ومما لاشك فيه أن مساهمة مشروع القسائم الإلكترونية كانت جوهرية لتحقيق هذا النهج المتكامل.
من جهتها شددت دانييلا أوين المدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي في فلسطين أن "الفاعلية تقاس في إحداث تأثير أكبر ومستدام" ، مضيفة "لقد دعمت شراكتنا المتينة والطويلة مع أوفتيك في مجال القسائم الإلكترونية النشاط الإنساني الخاص بالمعونات الغذائية لبناء الثبات الاقتصادي من خلال ربط شبكات الأمان بالإنتاج المحلي".
وفي هذا السياق فإن تأثير القسائم الغذائية لا يقتصر على مساعدة الأشخاص المنعدمين في الحصول على الإمدادات الغذائية العادية منها والطارئة وبالتالي تحرير الموارد القليلة المتوفرة لديهم ليتاح صرفها على خدمات أساسية أخرى مثل التعليم والصحة. فالمعونات الغذائية بواسطة القسائم تكفل كذلك إلتزاما أكبر لمساندة الاقتصاد المحلي من خلال دعم قائمة من مواد غذائية مختارة سلفا ومصنعة محليا بحيث يتم شراؤها من المتاجر المنخرطة في المشروع. وكانت أشارت الدراسات مؤخرا إلى أن مقابل كل دولار أمريكي يتم صرفه عبر مشروع القسائم يُولد ربحا للمتاجر المشاركة بقيمة 40 سنتا، وأنه منذ بداية المشروع تم خلق أكثر من 485 فرصة عمل جديدة في هذه المتاجر ولدى منتجي الأغذية ذوي الصلة بالمشروع. ويضاف إلى كل ذلك ذلك ثبات دور مشروع القسائم كمصدر لإنتاج العائدات الضريبية للحكومة، فمنذ عام 2011 ضخ هذا المشروع ما يزيد عن 84 مليون دولار أمريكي في الأسواق الفلسطينية، من بينها 10 ملايين دولار أمريكي خلال الاستجابة العاجلة الأخيرة لقطاع غزة.
قد تبدو مقولة "الحاجة أم الاختراع" مجرد فكرة مبتذلة بنظر الكثيرين إلا أنها بالنسبة لشراكة برنامج الأغذية العالمي و "أوفتيك" عبارة عن رؤية ساعية لخدمة الإنسانية.
برنامج الأغذية العالمي هو أكبر منظمة إنسانية في العالم لمكافحة الجوع. يقوم البرنامج بتقديم المساعدات الغذائية في حالات الطوارئ ويعمل مع المجتمعات لتحسين التغذية وبناء قدرتها على التعافي. وفي عام 2013، ساعد البرنامج أكثر من 80 مليون شخص في 75 بلداً. ويعمل برنامج الأغذية العالمي في فلسطين منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي من أجل دعم الشعب الفلسطيني في كل من مدينة القدس، وقطاع غزة والضفة الغربية، من خلال توفير المعونات الإغاثية الطارئة خلال الأزمات، والمعونات طويلة الأمد للأسر الأشد فقرا، ودعم بناء قدرات السلطة الوطنية الفلسطينية.